الأحد ١٩ - أكتوبر - ٢٠٢٥ القاهرة
04:05:46am

قلبه الشفيف لم يحتمل.. وقائع موت عبد الناصر من هزيمة يونيو 1967 إلى أحداث أيلول الأسود

الإثنين ٢٩ - سبتمبر - ٢٠٢٥

وقائع موت عبدالناصر من هزيمة يونيو 1967 إلى أحداث أيلول الأسود

كيف واجه قلب الزعيم مرارة الخذلان؟

 

لم يكن رحيل جمال عبدالناصر 28 سبتمبر من سنة 1970 بالأمر الهين، بل شغل الدنيا كلها، وأوجع قلوب

المصريين، وذلك لأسباب كثيرة منها موته المفاجئ، فلم يتخيل الناس أن الرجل الذى يرونه الآن على

شاشات التليفزيون يودع الوفود العربية سوف يتوقف قلبه المثقل بأحلامهم بعد ساعات

 

بدأ موت جمال عبدالناصر منذ هزيمة يونيو 1967، فقد تلاحقت الأحداث سريعًا، ووقع ما لم يكن فى

الحسبان أبدًا، فلم يتخيل جمال عبدالناصر ولا الشعب الذى خاضوا رحلة طويلة من أجل بناء الجمهورية

أن يجدوا أنفسهم فى مواجهة هذا الموقف الصعب، هزيمة ثقيلة تركت أثرها

أول ما تركت على قلب الزعيم

 

رحلة الموت .. نهاية مبكرة.. يمكن القول إن جمال عبدالناصر انطفأ فجأة، فالرجل الذى تصدر

المشهد العربى منذ ثورة يوليو 1952، وبقى حتى لحظاته الأخيرة موضع الأحداث وملتقى الأنظار

والذى كان يجمع بين الولاء الشعبى الجارف والانكسارات السياسية الثقيلة كان موته تتويجًا

لرحلة طويلة من الصراعات والانكسارات والخذلان، رحلة حملت فى طياتها بذور نهايته المبكرة

 

انكسار يونيو.. جرح لا يندمل.. كانت يونيو 1967 نقطة الانعطاف الأهم فى حياة جمال عبدالناصر

لقد أطلقنا عليها نكسة لكنها فى الحقيقة كانت هزيمة وكان جمال عبد الناصر يدرك ذلك جيدا

ويمكن القول إنها كانت زلزالا سياسيا ونفسيا أدخل الأمة العربية فى دوامة من الإحباط

 

خرج جمال عبدالناصر على الجماهير بخطاب التنحى الشهير، معلنًا تحمله المسؤولية، لكن التفاف

ملايين المصريين حوله مطالبين ببقائه، منحه قبلة حياة جديدة، ورغم ذلك، فإن آثار الهزيمة بقيت

تنخر فى جسده وروحه، إذ عاش منذ ذلك الحين تحت ضغط استعادة الكرامة المهدورة

وهو ما ألقى بظلاله على صحته التى بدأت تتدهور بشكل ملحوظ

 

 

خذلان الأصدقاء.. لم تكن الحرب وحدها ما أثقل كاهل عبدالناصر، فقد اكتشف أن شبكة

التحالفات العربية والدولية التى نسجها خلال سنوات الصعود لم تصمد أمام الأزمات، بعض

الأنظمة خذلته، وبدت مواقف الاتحاد السوفيتى مترددة أمام الدعم الأمريكى المطلق لإسرائيل

 

وفى الداخل، عانى من توترات مع رفاقه فى السلطة، وواجه ضغوطًا اقتصادية خانقة نتيجة استنزاف

الحرب وسياسات التصنيع الواسعة، كان عبد الناصر محاصرًا بين طموحات لا تنتهى وإمكانات محدودة

وبين آمال شعبية جارفة وأرض سياسية تهتز من تحته

 

الاستنزاف .. خيار الضرورة.. بعد الهزيمة، اندفع عبدالناصر إلى خيار حرب الاستنزاف (1968–1970)

على جبهة قناة السويس، كان الهدف إعادة بناء الجيش المصرى وترميم الروح الوطنية، وفى الوقت

ذاته الضغط على إسرائيل لإدراك أن احتلالها لن يكون بلا ثمن، هذه الحرب أنهكت العدو لكنها

استنزفت مصر أيضًا، ومع كل غارة أو قصف، كان قلب عبدالناصر يدفع الثمن، فقد تزايدت

نوباته المرضية، وأصبح الإرهاق حليفًا يوميًا له، ومع ذلك، ظل يرفض الاستسلام، كأنه يحاول

عبر معاركه أن يبرهن لنفسه أولًا أنه ما زال حيًا سياسيًا

 

أيلول الأسود.. كسرة القلب.. جاءت أحداث أيلول الأسود فى الأردن (1970) كأنها الضربة الأخيرة

لعبد الناصر، فقد اندلع الصراع الدموى بين الجيش الأردنى والفصائل الفلسطينية، ووجد

عبدالناصر نفسه مضطرًا للقيام بدور الوسيط، استدعى قادة الأطراف المتصارعة إلى القاهرة

وعاش أيامًا عصيبة بين مطارحات سياسية مرهقة ووساطات محفوفة بالغضب والتوتر

 

كانت لحظة توقيع اتفاق القاهرة بين الملك حسين وياسر عرفات بمثابة إنجاز سياسى له، لكن الثمن

كان باهظًا على صحته، فقد بدا مرهقًا بشدة، وظهر العرق يتصبب من وجهه أمام عدسات الكاميرات

بينما كان يحاول أن يحافظ على هيبته المعتادة

 

اللحظات الأخيرة.. فى ظهيرة يوم 28 سبتمبر، أنهى عبدالناصر استقباله لرؤساء الوفود العربية

المشاركة فى قمة القاهرة، بدا عليه الإرهاق، فعاد إلى منزله فى منشية البكرى، جلس مع أسرته

واحتسى فنجانًا من القهوة، ثم شعر بآلام حادة فى صدره

 

سقط على الكرسى، وحاول أطباؤه إسعافه، كان بينهم الدكتور الصاوى حبيب

والدكتور محمود جامع، لكن الأزمة القلبية كانت أشرس من كل محاولات الإنقاذ

بعد دقائق من التوتر والهرج فى أروقة المنزل، أسلم عبدالناصر الروح

عن عمر يناهز 52 عامًا

 

انتشر خبر الوفاة كالصاعقة فى مصر والعالم العربى، ملايين خرجوا إلى الشوارع

فى جنازة مهيبة تحولت إلى أكبر تظاهرة وداع شهدتها القاهرة، بكاء الرجال

والنساء، وصمت العواصم، وتدفق الوفود من كل اتجاه، كانت جميعها شهادة

على المكانة التى احتلها عبدالناصر فى قلوب العرب، رغم الهزائم والانكسارات



موضوعات مشابهه