السبت ١٣ - سبتمبر - ٢٠٢٥ القاهرة
01:25:25pm

علا رضوان تكتب: "جودر" و"ألف ليلة وليلة".. ألف تحية وتحية

الجمعة ٢٩ - مارس - ٢٠٢٥

تجاوز تأثير كتاب "ألف ليلة وليلة" الحدود، فهو مقاوم للزمن والملل وكل الاتجاهات والمشارب والأهواء والشعوب، هو كتاب للإنسانية جمعاء، فمنذ ترجمته إلى الفرنسية على يد أنطوان جالان سنة 1704 تتابع نقله إلى كل لغات العالم

ولم تتوقف الترجمة ولا التأثير منذ هذه اللحظة، تأثر على مبدعى الفكر والأدب والفن والموسيقى والرسم والنحت والمسرح، وأبدعوا بفضل منه أعظم كتاباتهم، ففى فرنسا

وحدها على سبيل المثال، «فولتير» يؤكد: «لم أصبح قاصا إلا بعد أن قرأت ألف ليلة وليلة أربع عشرة مرة»، أما «ستندال» فقد تمنى أن يصاب بفقد الذاكرة حتى يتسنى له أن يعيد قراءة حكايات ألف ليلة وليلة

 

دانييل ديفيو  فى قصته «روبنسون كروزو» وبطله «فرايدى» تأثر برحلات السندباد المأخوذة من ألف ليلة وليلة، كذلك تحولت بعض حكايته إلى أفلام

مثل علاء الدين وعلى بابا ولص بغداد، كما استقى منها الكاتب الإنجليزى العظيم شكسبير مسرحيته العبرة بالخواتيم، والقاص الكبير إدجار ألان بو قصته الليلة الثانية بعد الألف من ليالى شهر زاد، التى ختمها بإعدام الملك شهريار زوجته شهرزاد

ومن ظلال ألف ليلة وليلة الكثيفة على أدب أمريكا اللاتينية، ظهور مدرسة الواقعية السحرية، فهذه كما أقول دائما بضاعتنا ردت إلينا، ذلك المذهب الذى شاع على يد عدد من كتاب أمريكا اللاتينية

أمثال جابريل جارسيا ماركيز، وبورخيس الذى كشف صراحة أنه تأثر بذلك الكتاب فى قصصه التى تمتلئ بالغرائبية واللامعقول والأسطورة

أما «جوته» الشاعر والروائى الألمانى الكبير فى روايته «آلام فيرتر»، فقد جاء فيها بهذه العبارات الألف ليليلة، إن جاز التعبير فى ذلك المقطع:  كانت جدتى تحدثنا عن الجبل الممغنط، وكيف تتفكك السفن التى يشتد دنوها منه

ويتطاير حديدها فيسقط ملاحوها فى البحر بين الألواح المتداعية

 

وفى الأدب العربى، تأثر بها الروائى العظيم صاحب نوبل نجيب محفوظ، فقدم رواية ليالى ألف ليلة، وكذلك عميد الأدب العربى طه حسين الذى كتب أحلام شهر زاد

وعميد المسرح العربى توفيق الحكيم الذى ألف مسرحية «شهرزاد»، والأديب السودانى الكبير الطيب صالح، الذى كتب رواية «بندر شاه»، فلم تترك ألف ليلة وليلة كاتبا ولا مبدعا إلا وصار مفتونا بها

 

إذن «جودر» هو مخلص ومنقذ وبطل شعبى، هذا ليس حرقا للأحداث فقصص ألف ليلة وليلة متاحة للجميع، لكن ما هو ليس متاحا، كيف سيتم تناولها، شاهدت الحلقتين الأولى والثانية

وأستطيع أن أقول إن هذا أول تناول قوى وفلسفى لقصة من قصص ألف ليلة وليلة، حيث توفرت الإمكانيات الضخمة والرؤية لتحقيق المغزى من الحكاية

وأؤكد على الروية قبل الإمكانيات، فالحكاية ليست مجرد حدوتة فارغة للتسلية، لكنها حكاية معلمة وملهمة وعلاجية، فشهرزاد تعالج بحكايتها شهريار المعقد من المرأة

الذى يرغب فى الانتقام منها جراء ما حدث له من زوجته الأولى، لتصير شهرزاد أشهر معالجة نفسية، فهى تعالج بالقصة، وبالمناسبة أصبح العلاج بالقصة أسلوب علاج نفسى معروفا ومتبعا الآن

 

أجمل ما فى مسلسل «جودر» هو أنه أعاد البهاء للدراما المصرية، وخلق لدى جيلنا نوعا من النوستالجيا لأيام ألف ليلة وليلة التى تربينا عليها، وجعل هناك فرصة للجيل الحالى أن يعرف عنها

وعن أن أجدادهم وأسلافهم أول من قدموا الحكاية الخيالية والغرائبية والتشويقية قبل أفلام هوليوود التى يعشقونها، ويدركون أن بدء الحكاية جاءت من عندنا العرب

وتأثر بها الكتاب وصناع الدراما والسينما الهوليودية والبوليودية، وأن أول من أنطق الحيوان والجان والطير والشجر والحجر فى القصص كانت القصص والدراما العربية

فألف ليلة وليلة نص متعدد الألسنة، الكل فيه يحكى الحى والجماد، وأيضا أسلوب الحكاية داخل الحكاية، الذى صار يعرف بأسلوب القصة داخل القصة من الأساليب السردية الحديثة

وفى الدراما الحديثة هناك قفلة الحلقة بطريقة مشوقة أو النهايات حابسة الأنفاس

cliff- hanger

أول من صنعته من قرون امرأة عربية تدعى شهر زاد، المعنى الحالى لـ«كليف هنجر » هو أن الحلقة تتوقف عند نقطة مشوقة ليتم استكمالها فى الليلة أو الحلقة التالية

لاستبقاء الجمهور والمحافظة على متابعته للمسلسل، لكن شهر زاد صنعتها لسبب أقوى دراميا، وهو أن تنقذ روحها وروح كل النساء المقهورات



موضوعات مشابهه